صلاة الحاجة – حكمها ودعائها وكيفية تأديتها
يحتاج العبد دائما إلى التقرب إلى الله ومناجاته، حتى وإن لم يكن العبد في حاجة إلى شيء سوى التقرب إلى الله ونيل رضاه، ولعل صلاة الحاجة هي أحد طرق التقرب إلى الله وطلب قضاء الحوائج من الله سبحانه وتعالى.
صلاة الحاجة
صلاة الحاجة هي صلاة وطريقة يقم بها العبد للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وطلب قضاء حوائجه، وقد عرف علماء أصول الفقه الحاجة هي أن يحتاج الشخص إلى شيء ما مثل التوسعة أو إزالة الضيق أو إزالة المشقة والتعب الواقعان على الإنسان بسبب ضياع مصلحة ما أو لعدم تحققها.
حكم صلاة الحاجة
تشرع صلاة الحاجة عند تعرض العبد لأمر ما أو ضيق أو مشقة في أمر من أمور دينه أو دنياه ولم يستطع تحقيق هذا الشيء، فيلجأ إلى أداء صلاة الحاجة والدعاء إلى الله ليقضي له حاجته.
أحاديث عن صلاة الحاجة
وقد وردت أربعة أحاديث عن صلاة الحاجة، يرى علماء الحديث وأهل العلم بأنها غير صحيحة وبعدم مشروعية صلاة الحاجة ولذلك لضعف الأحاديث التي وردت فيها، فيرون أن منهما حديثان موضوعان وحديث ضعيف وحديث ضعيف جدا.
وأحد تلك الأحاديث ما روي عن عبد الله بن أبي أوفي – رضي الله عنه – قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم ” مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلى اللهِ حَاجَةٌ أَو إِلى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلى اللهِ، وَلْيُصَلِّ عَلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: لا إِلهَ إِلَّا اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيْمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرِّ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وّلا هَمَّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضَا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ” ( أخرجه الترمذي ).
فتاوى عن صلاة الحاجة
وقد جاء ضمن فتاوى اللجنة الدائمة أنه ” المشروع في حق المسلم أن يتعبد الله بما شرعه في كتابه وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يقال إن هذه عبادة مشروعة إلا بدليل صحيح، وما يسمى بصلاة الحاجة قد ورد في أحاديث ضعيفة ومنكرة ـ فيما نعلم ـ لا تقوم بها حجة ولا تصلح لبناء العمل عليها “.
وقد اعتبر بعض علماء الحديث والفقه أن صلاة الحاجة هي من ضمن صلاة التوبة وصلاة الاستخارة، فعندما سئل ابن باز عن صلاة الحاجة قال : ” إن كان أراد بذلك صلاة الاستخارة صحيحة، أراد بذلك صلاة التوبة الذي يذنب ثم يتطهر ويصلي ركعتين ويتوب؛ فهذا صحيح “.
صلاة الحاجة من الصلوات المستحبة
ولكن اتفق الفقهاء على أن صلاة الحاجة هي من الصلوات المستحبة، واستندوا في ذلك إلى ما روي عن عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه، فهي من النوافل التي شرعها لنا الله سبحانه وتعالي لكي نتقرب بها إليه، فهي سنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر توضأ وصلى ركعتين من غير الفريضة ويدعو الله بما شاء.
مشروعة في آراء الفقهاء
فصلاة الحاجة مشروعة في آراء الفقهاء من المذاهب الأربعة، فقد دلت نصوصهم على مشروعية صلاة الحاجة، وقد قام مؤلفو الموسوعة الفقهية ببيان هذا الاتفاق بين المذاهب الأربعة على مشروعية صلاة الحاجة ولكن كان الاختلاف في صفة الصلاة نفسها، فجاء في الموسوعة الفقهية ما يلي :
اتفق الفقهاء على أن صلاة الحاجة مستحبة واستدلوا بما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. ( رواه ابن ماجه ).
وزاد بعد قوله : يا أرحم الراحمين، ثم يسأل من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يقدر. واختلف في عدد ركعات صلاة الحاجة، فذهب المالكية والحنابلة ـ وهو المشهور عند الشافعية وقول عند الحنفية ـ إلى أنها ركعتان، والمذهب عند الحنفية أنها أربع ركعات، وفي قول عندهم ـ وهو قول الغزالي ـ إنها اثنتا عشرة ركعة، وذلك لاختلاف الروايات الواردة في ذلك، كما تنوعت صيغ الدعاء لتعدد الروايات، انتهى.
كيفية تأدية صلاة الحاجة
هناك عدة أمور يجب القيام بها عند تأدية صلاة الحاجة وكل منها له شروط
أولا / الركعات
يتم أولا تأدية صلاة الحاجة بعدد ركعات معين وبطريقة معينة، وقد اختلفت آراء العلماء وتعددت بشأن عدد ركعات تلك الصلاة، وكان هناك ثلاثة آراء مختلفة، وهي :
- الرأي الأول / كان رأي المالكية والحنابلة والشافعية وقد رأوا أنه يمكن تأدية تلك الصلاة بأداء ركعتين فقط
- الرأي الثاني / وهو أنه يمكن تأديتها بأربعة ركعات
- الرأي الثالث / وكان رأي الغزالي وقد رأى أنها اثنتا عشرة ركعة
ويعد الرأي الأول هو الرأي السائد وهو رأي الأغلبية وهو الذي يعمل به، فيتم تأدية صلاة الحاجة بركعتين بتسليمه واحدة
ثانيا / دعاء صلاة الحاجة
بعد تأدية ركعتي الصلاة يجب أن يتوجه العبد إلى الله سبحانه وتعالى ويثني عليه، ثم يصلي على نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم يطلب حاجته، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين بتمامهما أعطاه الله ما سأل معجلاً ومؤخراً ” فيسأل العبد الله سبحانه وتعالى المتصف بصفة الرحمة أن يقضي له.
ويمكن الدعاء في الصلاة الواحدة بأكثر من نية بحاجات الدنيا المتنوعة كأن يدعو بالزواج والنجاح والرزق وهكذا.
وقد وردت العديد من الروايات المتعلقة بالأدعية التي يمكن الدعاء بها بعد إتمام ركعتي الصلاة، ومن أمثلة تلك الأدعية ما يلي :
- ” اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ، إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ، اللَّهمَّ فشفِّعهُ فيَّ ” فيطلب رضا الله ورحمته ثم يطلب العبد شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون سبباً في تحقيق ما يطلب.
- ” اللَّهمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ “.
- ” لا إلهَ إلَّا اللهُ الحَليمُ الكريمُ، سُبحانَ اللهِ ربِّ العَرشِ العظيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أسألُكَ موجِباتِ رَحمتِك*، وعزائمَ مَغفرتِكَ*، والغَنيمةَ* مِن كلِّ بِرٍّ، والسَّلامةَ* مِن كلِّ إثمٍ لا تدَعْ لِي ذَنبًا إلَّا غفرتَه ولا همًّا إلَّا فَرجتَه*، ولا حاجةً هيَ لكَ رضًا إلَّا قضيتَها يا أَرحمَ الرَّاحِمينَ “.
أحكام تأدية صلاة الحاجة
هناك العديد من الأحكام المتعلقة بكيفية تأدية تلك الصلاة وقد بينها العلماء كالآتي :
أولا / وضعية الصلاة
لا يشترط وقوف المصلي عند تأديته لصلاة الحاجة فيجوز أن يصلي وهو جالسا حتى وأن كان قادرا على الصلاة واقفاً، إلا أنه في تلك الحالة لا ينال سوى نصف أجر المصلي القائم، ولكن في حال كان هناك عذر يمنعه من القيام ففي تلك الحالة ينال أجره كاملاً.
أما بالنسبة للمضطجع فقد اختلف العلماء بشأنه، فقال الحنفية والمالكية والحنابلة بعدم جوازها إلا لوجود عذر، أما الشافعية فقد أجازوها بشكل مطلق.
وقد جاء عن عمران بن حصين – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” مَن صَلَّى قَائِمًا فَهو أفْضَلُ، ومَن صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَائِمِ، ومَن صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَاعِدِ ” ( رواه البخاري في صحيحه ).
ثانيا / فردية أم جماعة
يرى الكثير من العلماء أنه يجب أن تكون صلاة الحاجة فردية ولا يمكن تأديتها في جماعة، في حين أنه يرى آخرون أنه يجوز أدائها في جماعة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد تطوّع في صلاته منفرداً وجماعة، ولكن أكثر تطوّعه كان بشكل منفرد.
ثالثا / أوقات أدائها
هناك أوقات يحرم فيها على المسلم أداء تلك الصلاة فيها، وهي كالتالي :
- عند شروق الشمس واستوائها.
- عند ميلان الشمس إلى الغروب.
- بعد صلاتي الفجر والعصر.
ومن المستحب أداء صلاة الحاجة في الثلث الأخير من الليل ويمكن أدائها يوميا لحين قضاء الحاجة.
ما يعين على الاستجابة لصلاة الحاجة
هناك عدة أمور يفضل القيام بها لكي تقبل صلاة الحاجة وتُقضى الحاجة وهي :
إخلاص النية
يجب أن يخلص المسلم النية لله سبحانه وتعالى وأن يكون صادقاً، فقد قال بن كثير ” فأخلِصوا لله وحده العبادة والدعاء “، فإن الله عز وجل ينجي عباده المخلصين الصالحين الذين يخلصون له بنياتهم وبأفعالهم الصالحة التي تقربهم إليه.
حسن الظن بالله
يجب أن يحسن العبد الظن بالله سبحانه وتعالى، فقد قال الله تعالى ” أنا عند ظن عبدي بي “.
طاعة الله ورسوله
يجب أن يطيع المسلم الله ويتبع سنه رسوله صلى الله عليه وسلم والاستجابة لما أمروا به، وأن يكون الإنسان مؤمناً بقلبه.
أداء الفرائض والنوافل
يجب أن يكون الداعي ملتزماً بالفرائض والنوافل التي أمر الله بها من أجل التقرب إليه، على أن يلتزم بها الداعي بشكل دائم لا أن يقوم بأدائها وقت طلب الحاجة فقط.
الابتعاد عن المحرمات
يجب أن يبتعد المسلم عما نهانا عنه الله ورسوله، وأن يتحرى ما هو طيب وحلال.
الرضا بقضاء الله
يجب أن يرضى المسلم بقضاء الله وقدره وأن يدعوه في كل وقت سواء في وقت العسر أو اليسر، فقد قال الإمام بن رجب – رحمه الله – : ” إنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله، وحَفِظَ حدودَه، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة، فعرفه ربَّه في الشدَّة، وروعي له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه، ومحبته له، وإجابته لدعائه “.
الإكثار من ذكر الله
يجب على المسلم المواظبة على ذكر الله عز وجل والدعاء له بأسمائه الحسنى وبصفاته العليا وحمده و تسبيحه وتكبيره والثناء عليه، والتضرع إليه والتقرب إليه بكل الطرق المشروعة، فيجب على المسلم الإيمان التام بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان باليوم الآخر وبكل ما نزل في كتابه العزيز وفي سنه رسوله الكريم صلوات ربي وسلامه عليه.
وإلى هنا نكون قد بيّنا لكم صلاة الحاجة وكل ما يتعلق بها كما ورد في الروايات الصحيحة من السنة النبوية المطهرة، لعل الله يتقبلها منكم ويستجب لدعائكم وحوائجكم.