قصر الطاهرة ما تحتاج لمعرفته وما السر وراءه

يعد قصر الطاهرة من الآثار التاريخية الرائعة؛ إذ صمم بطريقة تفوق الخيال، وعلى الرغم من مساحته الصغيرة مقارنة بباقي القصور إلا أن مساحته قد استُغلت بطريقة ابتكارية، ووُضعت التحف والتماثيل وقطع الأثاث بطريقة متناغمة، غير أن أهمية هذا القصر تكمن في شهادته على العديد من الأحداث التاريخية، والعمليات التي تمت داخله.

قصر الطاهرة

بُني قصر الطاهرة في بداية القرن العشرين، وقد أمر الخديوي إسماعيل المعماري الإيطالي الشهير أنطونيو لاشياك ببناء هذا القصر لابنته الأميرة أمينة عزيزة وأم محمد طاهر باشا، وبُني هذا القصر على الطراز الإيطالي، ويظهر ذلك واضحًا في السقوف المرمر والرخام والسلالم، ويعد لاشياك من المعماريين العظماء الذين جاءوا واستقروا في مصر.

قد قام المعماري لاشياك ببناء العديد من المباني كالفرع الرئيسي لبنك مصر في وسط البلد، ومبنى وزارة الخارجية المصري القديم المتواجد في ميدان التحرير، ومدرسة الناصرية الموجودة في شارع شامبليون، وعمارات الخديوية، ومبنى محطة الرمل في الإسكندرية، كما أنه أعاد تصميم العديد من المباني، حيث قام بإعادة تصميم قصر عابدين بعد تدهوره أثناء الحريق، وقد كان مبنياً بالخشب قبل ترميمه.

قام لاشياك بترميم مبنى الأوبرا القديم بعد تعرضه للحريق في عام 1971، كما أنه استطاع استغلال المساحة الصغيرة لقصر الطاهرة مقارنة بمساحات باقي القصور بطريقة لا مثيل لها، وساعده في ذلك وجود حديقة جذابة تحيط بالقصر، فقام بتكوين علاقة في قمة التناسق بين تصميم مبنى القصر والطبيعة الخلابة التي تحيط به.

لم يقتصر لاشياك على التصميم البارع للشكل الخارجي لمبنى القصر فقط، بل أضفى اختياره للديكورات والأثاث داخل القصر جوًا من الراحة التي يشعر بها المقيم في القصر والزائر؛ إذ أضاف لمسة جمالية عند توزيعه لقطع الأثاث والتحف داخل كل غرفة من غرف القصر بتناسق ينم عن ذوقه الرفيع.

نبذة عن الأميرة أمينة

تزوجت الأميرة أمينة طاهر باشا الذي وُلد في تركيا، ولكنه تأثر بجمال مصر وكان مولعًا بها أنذاك، وقد أمضى طاهر باشا معظم حياته في شوارع اسطنبول بتركيا، ومن شدة حبه للرياضة أصبح الرئيس الأول للجنة الأوليمبية المصرية، وقد كان مشرفًا على نادي الفيروزية والنادي الملكي للسيارات.

 ونظرًا لأنه كان موالياً للألمان في الحرب العالمية الثانية، فقد وُضع تحت الإقامة الجبرية بأمر من بريطانيا في منزل بجنوب حلوان أولاً، وانتقل إلى المستشفى العسكري بعده، ثم انتقل إلى سجن بسيناء فيما بعد، وقد كان قصر الطاهرة في ذاك الوقت منزلاً لأفراد العائلة المالكة المصرية الآخرين بعدما انتقل طاهر باشا إلى فيلا في الزمالك.

بعدما تزوجت الأميرة أمينة طاهر باشا أنجبت منه محمد طاهر باشا الذي كان الحفيد الأول والوحيد للخديوي إسماعيل، وقد وُلد في اسطنبول واعتُبر تركيًا أكثر، وذلك لأنه أمضى طفولته متنقلاً بين الضواحي الراقية في اسطنبول، كما أنه عاش معظم حياته أعزبًا.

مصادرة قصر الطاهرة

تمت مصادرة جميع القصور الملكية التي تنتمي إلى محمد علي وسلالته، والتي كان من ضمنها قصر الطاهرة عند قيام ثورة 1952، وقد تعرض إلى الكثير من عمليات السرقة والنهب، وتم الاستيلاء على ما في القصر من محتويات ثمينة وعُرضت في المزادات التي كانت تحت رعاية الحكومة، وذلك لمحاولة ملئ خزانة الدولة.

 قد تم اعتبار هذا القصر من تلك اللحظة قصرًا للرئاسة ودارًا للضيافة؛ إذ نزل به ملك المملكة العربية السعودية سعود ابن عبد العزيز ضيفًا في هذا القصر، وتمت استضافته أيضًا بعدما ترك الحكم، وخلال زيارة الملك سعود لمصر في عام 1954 وقعت جلسة عمل في قصر الطاهرة، وقد حضر الملك وجمال عبد الناصر ومحمد نجيب بهدف التسوية بين الرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر، والتي انتهت بإطاحة محمد نجيب من الحكم من قبل جمال عبد الناصر.

كان من بين ضيوف القصر السيدة فتحية نكروما والدة فتاة تعمل في أحد المتاجر بالقاهرة، والتي استطاعت توسيعه بعدما تزوجت بكوامي نكروما رجل قوي من غانا الذي قام بتأسيس حركة عدم الانحياز بمساعدة تيتو في يوغوسلافيا وناصر في مصر وسوكارنو في إندونيسيا، ولهذا كان قصر الطاهرة مقرًا في هذا الوقت لوالدة الفتاة وأسرتها القبطية الذين أقاموا فترة في القصر.

من ضيوف قصر الطاهرة رئيس وزراء فرنسا، حيث أقام في هذا القصر أثناء زيارته لمصر، كما نزل بالقصر رؤساء من الدول الأخرى كرؤساء حركات التحرير.

المطالبة برد القصر للعائلة الملكية

قامت أسرة الملك فاروق المتمثلة في بناته بالمطالبة برد القصر، والذي أُعلن عنه في 3 مارس في صحيفة الأهرام معللين ذلك بامتلاك والدتهم الملكة فريدة القصر، وحجتهم كانت في أنها زوجة الملك فاروق وليست من سلالة محمد علي؛ لذلك فلا يحق لهم مصادرة قصرها، حيث اشترى الملك فاروق قصر الطاهرة من طاهر باشا للملكة فريدة بمبلغ 40000 جنيه في عام 1996، ولكن خسرت بنات الملكة فريدة القضية وحًكم للحكومة بأحقيتها بالقصر من قبل القضاء المصري، وذلك لأنه من التراث التاريخي المصري.

أحداث شهدها القصر

  • تمت جلسات لتسوية الأمور بين جمال عبد الناصر والرئيس محمد نجيب في عام 1954.
  • قد شهد قصر الطاهرة الاستعدادات لحرب أكتوبر في عام 1973، والتي كانت تتم في سرية تامة داخل القصر؛ إذ شهد العديد من الاجتماعات والجلسات، وجرت التغييرات في أجزاء من القصر لتكون غرفًا لمتابعة الحرب في تكتم، حيث قامت خرائط سيناء الضخمة بتغطية المرايا البلجيكية، وقد غطت صور منطقة قناة السويس اللوحات والتذكارات الموجودة في غرف القصر، والتي كانت تزين الجدران.
  • شهد القصر تعليمات السادات التي كان يوجهها من خلاله بشأن عبور قناة السويس.
  • أصبح القصر مقرًا لإقامة أرملة شاه إيران الإمبراطورة فرح ديبا في عام 1980، ولكن لم تطول إقامتها بسبب الحالة المزرية التي كان عليها القصر جراء عمليات السلب التي تعرض لها، وتركت القصر وانتقلت مع عائلتها الإيرانية إلى فيلا مستأجرة تقع في جنوب فرنسا.
  • شهد القصر أيضًا إقامة ليونيل جوسبان، وكان رئيس الوزراء الفرنسي الذي أقام في القصر فترة أثناء زيارته لمصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top